فكلما كانت هذه الأخيرة جيدة، انعكس ذلك جيدا على القطاعات، وعلى العكس بقدر ما
تكون المواسم ضعيفة، جراء شح في تساقطات الشتاء والربيع، أو حدوث ظروف مناخية غير
الملائمة، بقدر ما يكون النشاط الاقتصادي ديناميكيا، والحالة في البوادي مستقرة
تمثل الفلاحة في المغرب نسبة 17 في المائة، كمعدل، في ما يخص الناتج الداخلي
الخام .
وكان على الدوام القطاع الذي يرهن معدل النمو الاقتصادي في البلاد،
مثلما حصل في السنوات الأخيرة، إذ سجلت أدنى المعدلات نتيجة ضعف مواسم فلاحية، بسبب
دورية موجات جفاف، كانت حادة في بعض الأعوام، كما هو حال مواسم النصف الأول من
ثمانينات القرن الماضي، وعام 1996، وأعوام من العقد الجاري، وكان آخرها الموسم
الماضي، الذي كان ضعيفا، وأثر بصورة غير متوقعة على معدل النمو، إلى جانب عوامل
أخرى.
في العقود الثلاثة الماضية شهد المغرب 18 حالة جفاف، أي أن أزيد من
نصف المواسم الفلاحية كانت شحيحة أو دون المتوسط.
والجفاف مشكل هيكلي في
المغرب، وضعف المحاصيل يشكل القاعدة بسبب ذلك، وحينما تكون المواسم الفلاحية جيدة
والمنتوجات رفيعة المستوى، بفضل الأمطار، يشكل استثناء، وفق ما يستنتج من
المعطيات.
وحاولت الحكومات المتعاقبة أن تتعامل مع ظاهرة شح الأمطار وعدم
انتظامها في الزمان والمكان، بمقاربات مختلفة، يفترض بصورة عامة أن التغلب على
المعطى وتجاوز آثاره الوخيمة، مسألة تنطلق من ضرورة وضع الشروط والظروف الملائمة
لتنمية الوسط القروي، على خلفية الجدلية القائمة بين الفلاحة والتنمية القروية،
وعبر تدعيم الفلاحة الصغيرة، وتثمين الموارد البشرية، والتشجيع على الاستثمار في
هذا الوسط، وخلق موارد جديدة، دون الاقتصار على مورد الفلاحة، وبصفة عامة وضع برامج
استراتيجية لخلق أنشطة متنوعة لفائدة السكان القرويين، تساهم، إلى جانب نشاطاتهم
الفلاحية العادية في تنمية مداخيلهم وتنتج ثروات.
البرامج الاستراتيجية التي
يحتاجها العالم القروي، تملي حتميتها من أن النشاط الفلاحي في معظم أنحاء هذا
الوسط، شهد في العقود الماضية تذبذبا بين التطور والانكماش، بين النمو والتراجع،
بين التفاؤل والتشاؤم.
وتبين أن الفلاحة التقليدية المغربية يتراجع من موسم
إلى آخر، حتى إن كانت التساقطات في المستويات المطلوبة، ما يفيد أن المشكلة ترتبط
أيضا ببنية الأراضي، فهي مجزأة ولا تستطيع تحقيق انتاجية رفيعة.
وتفيد
المعطيات أن 70 في المائة من الاستغلاليات تقل مساحتها عن الهكتار الواحد، وأن 90
في المائة من الفلاحين من فئة الفلاحين الصغار، ومعظمهم لا يملك وسائل مادية ومالية
وتقنية كافية للاستثمار في القطاع بشكل علمي ومواكب للتطورات، على المستوى
العالمي.
وبالعودة إلى الموسم الفلاحي الجاري، تفيد مصادرنا أنه يسير، حتى
هذا الأسبوع، في ظروف جيدة في بعض المناطق، ومتواضعة في البعض الآخر، وضعيفة في
باقي المناطق
والسمة العامة التي تطبع الموسم الزراعي تتمثل في التأخر النسبي
لأمطار الربيع، وهي التي تعد حاسمة في تقرير مصير المحصول، كما أظهرت الأعوام
الماضية.
وتأمل الأوساط الفلاحية، وأساسا في المناطق البورية، أن تجود
السماء بما يكفي من التساقطات هذه الأيام، خصوصا في مناطق تعودت على انحباس الأمطار
كما هو الشأن بالنسبة إلى مناطق في سوس والحوز والجنوب الشرقي والمنطقة
الشرقية.
والجدير بالذكر أن مساحة الأراضي الفلاحية النافعة تبلغ 9,2 ملايين
هكتار، أي 13 في المائة من المساحة الإجمالية، بينما تمثل المناطق المسقية 11 في
المائة، وتزرع في المتوسط بالحبوب بنسبة 55 في المائة، والأشجار المثمرة بنسبة 38
في المائة، والخضروات بحوالي 8 في المائة، والمزروعات الكلئية.
وتستحوذ
الزراعات الخريفية أي الشعير والقمح الصلب والقمح الطري على القيمة غير التجارية
للفلاحة، وتغطي على العموم 96 في المائة، من مجموع المساحات المزروعة بالحبوب،
بينما تمثل مساهمة الزراعات الربيعية، الذرة أساسا، في الإنتاج العام نسبة 3 في
المائة.