وليلي: سامي المودني
يعود تاريخ مدينة وليلي الأثرية المغربية أو فوليبيليس، كما ينطقها الأجانب، إلى الحقبة ما قبل المرحلة الرومانية وما بعدها، وصولا إلى المرحلة الإسلامية، في منطقة شمال افريقيا، حيث ما زالت مآثرها العمرانية شاهدة بشموخها على حضارة عمرت لقرون طويلة في المنطقة. توجد هذه الحاضرة التاريخية بالقرب من مدينة زرهون أولى المدن الإسلامية في منطقة شمال افريقيا، التي اتخذتها الدولة الإدريسية بقيادة إدريس الأكبر عاصمة لها، وغير بعيد عنها تقع مدينة مكناس (جنوب شرق الرباط) بحوالي عشرين كيلومترا. تعتبر وليلي من أهم المواقع الأثرية بالمغرب المعروفة والمقصودة من طرف الزوار الأجانب والمغاربة، وتعد واحدة من أشهر الحواضر القديمة في حوض المتوسط، كما تصنف ضمن التراث الإنساني العالمي.
وقد أتبثت التنقيبات الأثرية التي تم الشروع فيها منذ بدايات القرن العشرين، أن أصول مدينة وليلي تعود على الأقل إلى القرن الثالث قبل الميلاد. كانت في أولها حاضرة موريتانية، ثم صارت انطلاقا من سنة 40م بلدية رومانية إلى أواخر القرن الثالث بعد الميلاد، قبل وصول إدريس الأكبر مؤسس الدولة الإدريسية في المغرب الأقصى الذي استقر بها سنة 789م. عرفت المدينة أقصى درجات توسعها سنة 169م، حيث أحيطت بسور كبير ذي أبراج شبه دائرية تخترقه سبعة أبواب. وازدانت المدينة منذ الحقبة الموريتانية بمآثر جميلة تعتبر المعابد أكثرها شهرة، وبعد إلحاقها بالإمبراطورية الرومانية عرفت تشييد العديد من المعالم التاريخية، إذ تم تخصيص مساحة مهمة لحي سكني مكون من منازل جميلة مزخرفة ساحاتها بالفسيفساء والنقوش.
ولم تتمكن الحفريات الأثرية إلى اليوم من كشف كل ما زخرت به وليلي من بنايات، إذ لا يزال يتوجب تنقيب مساحات كبيرة داخلها، من المرتقب أن يستخرج منها الباحثون كنوزا أثرية نفيسة ومعلومات من شأنها إضاءة جوانب تاريخية مهمة في منطقة شمال افريقيا.
قبل أن تحظى بمتعة التجول بين أرجاء مدينة وليلي الأثرية، لا بد أن تدفع ما يعادل تقريبا دولارا واحدا كثمن لرسوم ولوج المكان، وبمجرد دخولك من البوابة تجد إعلانا صغيرا، يطلب من الزائرين الحفاظ على نظافة المكان، وعدم تسلق الأسوار الأثرية الموجودة هنا بكثرة.
تتميز هذه المدينة أو المنطقة الأثرية بجمال طبيعتها ورونقها، حيث يلفت نظر الزائر لها المنظر الطبيعي الخلاب، الذي تتوسطه المآثر العمرانية للمدينة، من أعمدة أثرية كتب على بعضها أحرف بالرومانية وأقواس ولوحات فنية فسيفسائية.. محاطة بسور كبير، وما زالت محافظة على شموخها رغم مرور السنين، لدرجة تجعلك تتساءل مع نفسك كيف استطاعت هذه المنطقة الحفاظ على وجودها مع كل تلك السنين.
تكفيك جولة يوم واحد بين أرجائها للوقوف على منازل قديمة اتخذت أسماء عديدة تعود لفترة ما قبل الحكم الروماني وما بعده، مثل منزل الفارس، والأعمدة، والصدرية، والحيوانات المفترسة، ومنزل الساعة الشمسية... التي يرجع أصل تسميتها إلى أحداث معينة أو تشير إلى أصحابها أو شيء يميزها، كما تختلف من حيث تصاميمها، إلا أنها تشترك في عدة نقاط، إذ تتوفر هذه المنازل على باحات معمدة وغرف وقاعات استقبال وأكل، وحمامات صغيرة وأخرى عمومية، كما يزخرف أغلب باحاتها أعمدة محددة أو ملساء أو حلزونية، وفسيفساء عبارة عن لوحات فنية جميلة تعبر عن مواضيع مختلفة.
تستطيع من خلال هذه الجولة بين المنازل الأثرية تكوين فكرة عن المنزل الروماني ذي الباحة المعمدة والبهو، وقاعتي الأكل والاستقبال، بالإضافة إلى الدكاكين،ويعتبر «قصر كورديانوس» أكبر المنازل في المنطقة، واحدى أكبر بنايات المدينة، إذ تبلغ مساحته حوالي 4488م، كان قد أعيد بناؤه خلال عهد الإمبراطور كورديانوس الثالث ما بين 238 و244 بعد الميلاد.
يعتبر «الشارع الرئيسي» لمدينة وليلي الأثرية أهم المعالم الشاهدة على تاريخها، حيث يدخل ضمن أهم شوارعها وأروعها، يتصل بمنازل الواجهة الشمالية والجنوبية بواسطة أروقة وشوارع ثانوية، ويشكل خطا مستقيما يمتد إلى «قوس النصر» الذي يتوسط المدينة،حيث توجد في أعلاه صورة منقوشة للإمبراطور «كراكلا»، بني على شرف هذا الأخير سنة 217م لمنحه المواطنة الكاملة لسكان المدينة وإعفائهم من الضرائب،من طرف بلدية فوليبيليس.
بالإضافة إلى الشارع الرئيسي توجد أهم سقاية عمومية بوليلي، وذلك لحجمها وموقعها وسط المدينة كذلك، حيث تمثل نهاية القناة الرئيسية تجاه الغرب، وشمال هذه البناية توجد بقايا المراحيض العمومية.
يكاد لا يخلو يوم دون أن تزور وفود سياحية من كل الدول في إطار رحلات جماعية مدينة وليلي، للتعرف على مآثر المدينة الحضارية التي يصعب حصرها جميعا، والاستمتاع بمنظر الأشجار الخضراء والبحيرات الصغيرة المحيطة بها، وأخذ صور تذكارية، بالإضافة إلى التعرف عن قرب على مخلفات الحضارات التي مرت من منطقة شمال افريقيا، وهذا ما يتكلف به المرشدون السياحيون الذين يرافقون هؤلاء السياح في رحلاتهم، لكن هذا لا يمنع العائلات المغربية من القدوم إلى هنا لتمضية الوقت، خاصة خلال نهاية الأسبوع، رفقة أبنائها الذين يستغلون جمال المكان للترفيه واللعب. كما يمكنك الاستمتاع بجمالية المكان من خلال الخدمات التي يقدمها أحد المقاهي الموجودة هنا.
غير بعيد عن الحاضرة تجد بعض الدكاكين أو الباعة، الذين يبيعون بعض التحف الفنية التقليدية، التي يتم تصنيعها محليا أو تأتي من بعض مناطق المغرب، بالإضافة إلى الصور البريدية التي تؤرخ زيارة البعض لهذه المنطقة الأثرية. إلا أنه غالبا ما يستفيد هؤلاء الباعة من السياح الذين يأتون بشكل فردي للمنطقة، وليس على شكل جماعات تأتي في إطار رحلات سياحية، لأن هذه الأخيرة تكون برفقة مرشدين سياحيين يحددون برنامج الرحلة مسبقا، حسب ما أفادنا به أحد الباعة ممن أمضوا عدة سنوات بهذه المنطقة الأثرية، لكن هذا لا يمنعه من التعبير عن رضاه على الرواج التجاري بالمنطقة عموما.
تشهد مدينة وليلي صيف كل سنة تنظيم مهرجان دولي يشارك فيه فنانون عرب وأجانب، ومجموعات موسيقية من مختلف أنحاء العالم، ويهدف هذا المهرجان حسب منظميه إلى تعزيز وترسيخ قيم السلم والحوار، حيث تكون خلاله المدينة الأثرية على موعد سنوي مع أشهر الفنانين، وترقص خلاله وليلي على إيقاع النغمات الموسيقية المنتمية لحضارات متعددة.
على مستوى بنايات الاستقبال، فإضافة إلى بعض دور الضيافة القليلة الموجودة هنا بالقرب من المدينة بحوالي بضعة أمتار، يوجد فندق مصنف، فتح أبوابه قبل حوالي سنة ونصف السنة، يوفر مختلف الخدمات لزائريه من أكل ونوم، واستجمام، كما يستفيد من المنظر الطبيعي الذي يوفره المكان، لدرجة لا يستطيع معها بعض الزائرين مغادرة غرفهم بفعل سحر المكان، خاصة خلال الفترة المسائية، حسب ما أفاد به موظف الاستقبال بالفندق. غير أنه يلاحظ من خلال الوهلة الأولى أن أغلب الزوار من المغاربة، خاصة في فترة الموسم السنوي الذي ينظم بمدينة زرهون كل سنة، وذلك بسبب قلة الرحلات السياحية التي تبرمج ليلة بالفندق ضمن برنامجها.
لكن، هذا لا يمنع من القول إن زيارة السياح لمدينة وليلي تبقى خالدة في ذهنهم، لأنها تمنحهم فرصة التعرف على حضارات حوض المتوسط، التي تعتبر وليلي أحد معالمها الخالدة، كما توفر لزوارها الاستمتاع بجمال الطبيعة الخلابة، والاستمتاع بهدوء وسكينة هذا المكان المسمى وليلي