الرباط,المغرب(CNN)--تعتبر الهجرة السرية واحدا من الملفات المهمة التي لا يستقيم الحديث عن المغرب من دون التطرق إليها، خصوصا وأن الموضوع اتخذ صبغة سياسية وصل في الآونة الأخيرة إلى حد الأزمة الديبلوماسية بين الرباط وعدد من العواصم الأوروبية وخاصة مدريد.
وطيلة الأشهر الثماني الأولى من السنة الجارية، أوقفت السلطات الإسبانية أكثر من 13 ألفا، وفي السنة الماضية بلغ عدد الموقوفين 15 ألفا، وقبلها 8 آلاف، وهو ما يؤشر لمسار تصاعدي يغذيه تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في دول الجنوب وارتفاع معدلات البطالة وتقلص حظوظ الرقي الاجتماعي.
ويطرح هذا الملف كذلك، تحديات مستقبلية أمنية واقتصادية واجتماعية داخل إسبانيا التي تظهر الإحصائيات أنها لا تتمكن سنويا من ضبط سوى 2.5%-3.5% من المهاجرين الذين يدخلون التراب الإسباني.
وبلغ عدد الوفيات بسبب غرق قوارب الهجرة والتي أصبحت تسمى بـ "قوارب الموت" ما يقرب من 4 آلاف ضحية في السنوات الخمس الماضية غالبيتهم من المغاربة وفق جمعية العمال المهاجرين المغاربة بإسبانيا.
ويلاحظ أن جنسيات المهاجرين غير الشرعيين متعددة، فبالإضافة إلى المغرب هناك الجزائر والسنغال ودول جنوب الصحراء، وحتى آسيا.
وتظهر إحصائيات رسمية أنه في العام 2001 ضبط نحو 15 ألف أفريقي يحاولون دخول إسبانيا عبر مضيق جبل طارق وأن عشرات منهم غرقوا أثناء المحاولة.
وتوجد محاولات منتظمة لنقل الحشيش عبر نفس المسار. وهذا العام زادت الأعداد كثيرا وفي الأسبوعين الأخيرين من شهر أغسطس/ آب 2002 وحدهما ضبطت الشرطة أكثر من ألف شخص يحاولون عبور المضيق الذي يفصل بين البلدين.
ومن جانبها تقول وزارة الخارجية المغربية إنه خلال سنة ونصف السنة بين 1يناير/ كانون الثاني عام 2000 و30 يونيو/ حزيران عام 2001 طردت أجهزة الأمن المغربية من البلاد أكثر من 15 ألف من الرعايا الأفارقة والآسيويين واعترضت أكثر من 20 ألف مغربي لدى محاولتهم الهجرة بشكل غير قانوني.
كما أفادت الإحصاءات الرسمية بمقتل أكثر من 130 مهاجرا غير شرعي، قضى معظمهم غرقا، وهو ما يعادل ضعف عدد قتلى العام الماضي.
وتشير الأرقام الصادرة عن دائرة الهجرة الإسبانية إلى أن الشرطة ألقت القبض على نحو 10150 شخصا أثناء محاولتهم الوصول إلى إسبانيا ما بين شهري يناير/ كانون الثاني ويوليو/ تموز من العام 2002.
وفي أغسطس/ آب الماضي 2002 اعتقلت الشرطة ثلاثة آلاف شخص على الأقل، وهو أكبر عدد من المهاجرين غير القانونيين يعتقل في شهر واحد.
ومعظم المهاجرين غير الشرعيين الموقوفين من بلدان المغرب العربي وخاصة المغرب ممن حاولوا عبور البحر المتوسط من شمال أفريقيا.
ويحاول مئات من المهاجرين كل سنة الدخول بشكل غير قانوني إلى إسبانيا عبر مضيق جبل طارق الذي لا يفصله عن الساحل الشمالي المغربي سوى نحو عشرة كيلومترات.
وفي محاولة لوقف تدفق المهاجرين شددت حكومة المحافظين برئاسة خوسيه ماريا أزنار مطلع السنة الحالية التشريعات المتعلقة بالهجرة وضمنتها -على وجه الخصوص- إجراء عاجلا يقضي بترحيل الأجانب الذين لا يتمتعون بوضع قانوني، مما يعني ملاحقة 30 ألف شخص على الأقل يوجدون في إسبانيا بشكل غير شرعي.
ويراهن المغرب على مهاجريه لتوفير العملة الصعبة، حيث يلاحظ أن قيمة التحويلات عام 1999 لا تتعدى 580 مليون درهم (مغربي) بنسبة 3.1% من مجموع تحويلات العمال المهاجرين المغاربة بالخارج، لتحتل بذلك الرتبة السابعة، وهي نفس مرتبة عام 2000 رغم أن التحويلات ارتفعت في 2002إلى 844 مليون درهم (3.8% مجموع التحويلات)، وهي مسبوقة بدول أخرى تضم عددا أقل من العمال المهاجرين كالولايات المتحدة وبريطانيا وهولندا وإيطاليا، فضلا عن فرنسا التي تعد مصدر ما يقرب من 50% من تحويلات العمال المهاجرين.
وتواصلت عام 2002 أزمة ديبلوماسية بين المغرب وإسبانيا كانت من أبرز مسبباتها الهجرة السرية وكانت تلك الأزمة قد وصلت مداها قبل عام بالضبط عندما صرح العاهل المغربي ليومية لوفيغارو الفرنسية في 4 سبتمبر/ أيلول 2002من أنه إلى جانب المافيا المغربية هناك مافيا في إسبانيا تعيش من الهجرة السرية.
وقال إن المراكب التي تقل المهاجرين السريين تأتي من إسبانيا وهي مكلفة من حيث الثمن كما أنها مجهزة بمحركات ذات قوة كبيرة تجعل هذه المراكب أكثر سرعة حتى من زوارق البحرية المغربية.
وأضاف الملك في الحوار المشار إليه، أن مهربي المخدرات المغاربة يحصلون على جوازات سفر إسبانية وحسابات بنكية في إسبانيا وأن المغرب ليس هو من منحهم الجنسية المزدوجة.
وتطور الأمر بقوة بعد تصريح وزير خارجية إسبانيا خوسيه بيكي التي أعلن فيها وجود تواطؤ بين قوات الأمن المغربية ومافيا الهجرة السرية وأن عائدات المغرب من الهجرة تفوق عائداته من السياحة والفوسفات.
وذهب مسؤول إسباني أمني إلى التصريح بأن عملية ترويج المخدرات الموجهة لأوروبا عبر إسبانيا ترعاها الحكومة المغربية، وتروج الجهات المعادية للمغرب في إسبانيا أن حوالي ثلاثة آلاف طن من الحشيش يصدرها المغرب سنويا لإسبانيا يجني منها ما يقرب من ثلاثة مليارات دولار، بل ذهب بعض السياسيين الأسبان إلى اعتبار هجرة المغاربة بمثابة غزو جديد لإسبانيا لينشط اليمين الإسباني على غرار تصاعد نجم اليمين الأوروبي عامة.