يرى الهدهد الماء في باطن الأرض
من أكثر الطيور وفاء للأمهات وحناناً على الصغار
الهدهد بضم الهائين وإسكال الدال المهملة وبفتح الهاءين وإسكان الدال المهملة بينهما والجمع الهداهد بالفتح، طائر يمكن تمييزه بسهولة، فهو طائر جميل الشكل، أنيق المظهر يميل لونه الى الاصفر الوردي له تاج رائع من الريش فوق رأسه يزيده جمالاً وعلى جناحيه وذيله خطوط سوداء وبيضاء. يقارب الهدهد في حجمه طائر السمنة الكبير. وينسب الهدهد الى فصيلة الهداهد وهي من فصائل الطيور ذات المنقار العظمي ولا يعرف منها أكثر من سبعة أنواع من الهداهد التي تعتبر من الطيور النادرة في أوروبا والأمريكتين، وان انتشرت في كل من المناطق الاستوائية والمعتدلة من القارتين الافريقية والآسيوية.
والهدهد طائر صغير يوصف بالخجل ويميل البعض الى تشبيهه بفراشة كبيرة نظرا لطريقته المتموجة في الطيران ومثل أغلبية الطيور يحب الهدهد التمرغ في الرمال والغبار أكثر من حبه للسباحة في الماء. ويبلغ نحو 30 سنتيمترا، ويتميز بأرجله القصيرة وأقدامه العريضة، ومخالبه القوية، وتاجه الريشي الجميل وذيله المربع، وريشه المزخرف، ومنقاره الطويل، الرقيق، المعقوف قليلا الى الاسفل، وجناحيه العريضين المدورين وصوته الموسيقي الناعم الذي يتردد مرة كل ثانيتين تقريباً.
ذكاء فطري
يمشي الهدهد على الأرض بخطى سريعة، ويجري بسرعة ملحوظة، ويعيش عادة في المناطق المفتوحة، المكسوة بالخضرة الى مسافات كبيرة، والنائية عن السكان، ويرى أفرادا، وفي بعض الاحيان يرى أزواجا، ومن النادر ان يرى في جماعات. والهدهد يطير بقوة وبشكل مباشر فيه شيء من الفجائية، ويحط على الارض باندفاع وفجائية كذلك. ويتغذى أساساً على الحشرات ويرقاتها، وعلى بعض اللافقاريات الصغيرة مثل العناكب، وذوات المائة قدم، وديدان الارض، وغيرها. ويعتبر الهدهد من الطيور المهاجرة التي تفضل البيات الشتوي في القارة الافريقية وتعاود الظهور في الفترة الواقعة بين شهري ابريل/ نيسان وأكتوبر/ تشرين الأول.
وبما وهبه الله تعالى من قوة الذكاء الفطري يستطيع الهدهد تخليص فريسته مما لا يفيده هو من طعام مثل الأصداف، والأجنحة، والارجل، والزوائد الأخرى، وذلك بضرب فريسته في الارض عدة مرات حتى يتخلص من تلك الاجزاء التي لا تفيده، ثم يمزق الفريسة المنظفة بواسطة منقاره، ويبتلعها جزءا جزءا. ونادرا ما يتجاوز حجم فريسته طول منقاره.
تضع أنثى الهدهد من خمس الى سبع بيضات. والهدهد يستخدم الفتحات والفراغات الموجودة في العديد من الأشجار أو في الصخور أو في اسقف وجدران المباني لاستعمالها عشا له ولفراخه بعد فرشها بالقش، أو الاعشاب، أو أوراق الشجر، حيث تضع الانثى بيضها وتحتضنه لمدة 16 الى 19 يوماً ولا تغادره حتى يفقس، وعلى الذكر ان يوافيها بالطعام طوال هذه المدة. ويمتد موسم تكاثر الهدهد من يناير/ كانون الثاني أو فبراير/ شباط حتى مايو/ ايار وبعدها تفقس الفراخ ويبدأ نمو ريشها خلال الايام الثلاثة أو الخمسة الاولى ليغطيها لاحقا ريش شائك طويل، ويظهر العرف في اليوم 14 على أبعد تقدير.
وتقوم الأم بحضانة صغارها لمدة ثمانية أيام أخرى في المتوسط، والهداهد من أكثر الطيور وفاء لأمهاتها، وحنانا على صغارها. وفراخ الهدهد تطير وعمرها ثلاثة اسابيع، والهدهد من الطيور التي تفرخ في الكثير من مناطق بلاد الشام. ويتشابه الجنسان في الشكل، إلا ان الانثى أصغر قليلاً وباهتة اكثر وعنقها أكثر ابيضاضاً.
وتقضي طيور الهدهد وقتاً طويلاً على الارض باحثة عن الغذاء. وعندما تهددها حيوانات اخرى مثل الغربان، تسطح طيور الهدهد نفسها على الارض وتنشر جناحيها وذيلها وتوجه منقارها الى اعلى. وعند مهاجمتها، تطلق في بعض الاحيان سائلاً كريه الرائحة من الغدد الموجودة تحت ريشها كفيلة بإبعاد اي عدو عنها. ومن المدهش ان نعلم ان الهدهد غير مهدد على مستوى العالم، فقد قدر اجمالي أعداده في العالم أخيرا بما يتراوح بين 5 ملايين و10 ملايين طائر لكن ظهوره في بعض المناطق في اوروبا غدا نادراً جداً بسبب اختفاء البيئة الملائمة له من تنوع زراعي وحيواني، فعلى سبيل المثال اختفت العديد من الحشرات والديدان التي كان يقتات عليها الهدهد جراء عمليات الابادة التي تعرضت لها بحكم التخلص من الآفات الزراعية وقد كان ذلك على حساب الهدهد. ويصل متوسط عمر الهدهد الى 11 عاماً أما وزنه فيتراوح بين 50 80 جراماً.
ويقول علماء اللغات ان اسماء الطيور تؤخد من منطق أصواتها: وهذا هو الأصل في التسمية وتشترك في ذلك معظم اللغات فمثلا يسمى الهدهد بالانجليزية Hoopoe وهذا الاسم اشتقه الانجليز من صوته hoop-hoop.. وحتى في اللغة العربية فإن اسم الهدهد أخذه العرب من صوته وهو الهدهدة.
رسول إلى سبأ
ويحتل طائر الهدهد مكانة خاصة في الحضارة اليمنية القديمة، وقد وجدت قطعة من الحجر الجيري عليها منظر يمثل طائر الهدهد منفذ بالنحت البارز اثناء عمليات التنقيب الاثرية وهي تعود الى عصور قديمة.
وقد ورد ذكر الهدهد في القرآن الكريم في قصة سليمان عليه السلام قال تعالى: “ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين * لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين” (النمل: 20 21). فأقبل الهدهد، وحضر بين يدي سليمان عليه السلام، وسمع تأنيبه على غيابه، وتوعده له إلا ان يأتي بسلطان مبين يبرر غيابه.
فقال الهدهد لسليمان: “أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين” (النمل: 22). فسأله سليمان: ما هو هذا النبأ اليقين؟
فأجاب الهدهد: “إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم * وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون * ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تُخفون وما تُعلنون * الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم” (النمل: 23 26). “قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين * اذهب بكتابي هذا فألقه اليهم ثم تولّ عنهم فانظر ماذا يرجعون” (النمل: 27 28).
حمل الهدهد كتاب سليمان، وطار به حتى وصل الى ملكة سبأ، فألقاه اليها، ففضته وقرأته. ويقول بعض المفسرين لقصة سيدنا سليمان مع الهدهد، ان هذا الطائر قد ربط مصيره وقدره بالإنسان؛ فالنبي سليمان عليه السلام، وضعه في خيارات: تعريضه للتعذيب الشديد، أو ذبحه، ان يثبت حجة غيابه بدليل واضح.. ومن خواص الهدهد وهو الطائر الجميل، انه محب للاستطلاع ويذكر عنه انه يرى الماء في باطن الارض كما يراه الانسان في باطن الزجاجة واذا مرض الهدهد يأكل العقارب الجبلية فيزول مرضه.
وذات مرة تفقد سليمان صف الطير فوجد ان الهدهد غائب فقال: “مالي لا أرى الهدهد”؟ أي ما للهدهد لا أراه؟ هل حدث له حدث؟ “أم كان من الغائبين”؟
وكيف يغيب الهدهد، بلا إذن؟ وهل يجوز لأحد الجند طيراً كان أم غيره ان يترك وظيفته ليذهب حيث يشاء؟
غضب سليمان وحلف قائلاً: “لأعذبنه عذاباً شديداً” بنتف ريشه “أو لأذبحنه” حتى يكون ذلك ردعاً لغيره من الجنود، وجزاء على مخالفته الأمر، وهذا التعذيب أو الذبح يكون اذا لم يأتني الهدهد بعذر واضح “أو ليأتيني بسلطان” أي عذر لغيبته “مبين” واضح لا يقبل الشك والإنكار. وما هي إلا فترة قصيرة، حتى رأى الهدهد راجعاً. وسأل سليمان الهدهد: أين كنت؟ ولماذا غبت؟ وما الحجة والعذر في تركك الوظيفة من دون استئذان؟ “فقال” الهدهد: يا نبي الله لا تعجّل علي بالعقوبة، فقد ذهبت استطلع لأجلك واذا بي “أحطت” واطلعت “بما لم تحط” ولم تطلع “به” انت “وجئتك من سبأ” وهي أرض في اليمن “بنبأ” اي خبر “يقين” فليس الكلام كذباً وإنما كلام صادق. وقد ورد اسم طائر “الهدهد” مرة واحدة في القرآن الكريم، وهو طائر يتسم بالذكاء، واليقظة، والحذر وسرعة الملاحظة، وقوة الذاكرة، وسعة الحيلة، والايمان الفطري، وتوحيد الله تعالى بصورة تكاد تكون متصلة، والدعوة الى الخير بلا توقف، والى عبادة الله سبحانه وتعالى وحده، ولذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله بما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال فيه: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل اربع من الدواب: النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد، (أخرجه كل من الائمة أحمد، وأبي داود، وابن ماجه).
ومن الروايات المرتبطة بالهدهد انه اذا حمل الإنسان ريشه غلب خصمه وقضى حاجته واذا بخر البيت بريشه طرد الهوام من البيت وأطول ريشه من جناحه الأيسر تجلب القبول لحاملها واذا علق صاحب النسيان عينه ذكر ما نسيه ومصران الهدهد اذا علق على من به نزف قطعه .
تحياتي
الخميس مارس 04, 2010 12:16 pm
