عناصر الخطبة: 1. الأمر بالدخول في الدين كله وعدم تبعيضه.
2. الاستهانة بالمعصية.
3. التعايش بين الطاعة والمعصية
4. الإسلام الجديد ومخاطره.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد..
الأمر بالدخول في الدين كله وعدم تبعيضه:
فإن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن ندخل في دينه كله، فقال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: من الآية 208].
يعني في كل الإسلام، في كل الشُعب، {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: من الآية 208].
فالشيطان يأمر بالتنازلات، والشيطان يأمر بالتبعيض، بعض الإسلام بعض الدين، بعض الأحكام، والمؤمن بالإضافة إلى تبنيه للدين كاملاً، وعدم تنازله عن شيء منه وسعيه إلى تكميل نفسه ويبدأ بالواجبات ويترك المحرمات ويسعى في المستحبات ما أمكن، ويترك المكروهات والمشتبهات، وعنده في نفسه حس في الخوف من الله، والتخوف من الذنب، وأثر المعصية، وهو يعيش في حالة حذرٍ وترقب من أن يخدعه إبليس ويستدرجه إلى خطوةٍ من خطواته، {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}. فيعيش كما ذكر ابن مسعود رضي الله عنه: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ, فَقَالَ بِهِ هَكَذَا» [البخاري (6308)].
قلب الفاجر مظلم، والذنب خفيف عنده، وإذا وقع في معصية قال هذه سهلة، ومن خف عليه ذنبه دل ذلك على فجوره، ولا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى من عصيت، جلاله مقامه صفاته عظمته، عقابه سطوته نقمته جبروته سلطانه عذابه .
قال أبو أيوب: “إن الرجل ليعمل الحسنة فيثق بها، ويغشى المحقرات – يعني ما يحتقره من الذنوب ويراه سهلاً -، فيلقى الله يوم القيامة وقد أحاطت به خطيئته” (ابن بطال، 19/266).
والذي تحيط به سيئته من كل جانب فالنار موعده .
الاستهانة بالمعصية:
بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله، وبقدر ما يعظم الذنب عندك يصغر عند الله، هذا كلام السلف، الذنب وإن صغر فإن مقابلة العظيم الذي لا شيء أعظم منه، والكبير الذي لا شيء أكبر منه، والجليل الذي لا شيء أجل منه، هذا الذي أنعم عليك، تصغير الذنب في حقه شنيع، ومقابلة العظماء والسادات باستصغار مخالفتهم يسبب انتقامهم، وأرذل الناس في نظر الكبراء من قابلهم باستسصغار مخالفتهم وعدم الاكتراث بها فكيف بعظيم السماوات والأرض، وبعض الناس يجزم لنفسه أنه قد غفر له وأنه قد نجا من التبعة، مع أن من الآيات المخيفة في القرآن، وقال بعض العلماء أنها أخوف آية في كتاب الله: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء: من الآية 123].
هل هذه قاصمة الظهر؟!.. {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} [يونس: من الآية 27].
المعاصي خطيرة، والسيئات فظيعة، ومن مصائبها إذهاب لذة الطاعة، قال بعض السلف وقد سئل: “أيجد العاصي لذة الطاعة؟!”، قال: “ولا من همَّ” (يعني بالمعصية)، فرب شخصٍ أطلق بصره فحرمه الله اعتبار بصيرته، أو لسانه فحرم صفاء قلبه، أو آثر شبهة في مطعمه، فأظلم سره، وحرم قيام الليل، وحلاوة المناجاة إلى غير ذلك… (صيد الخاطر، 1/ 50).
قضية إنكار المعصية، واستنكار القلب للمعصية واستقباح النفس للمعصية مهم جداً أن يبقى في النفس وأن يتقرر وأن يتأسس وأن يزداد وأن يحافظ عليه استقباح النفس للمعصية، أن يكره قلبك المعصية، تأنيب الضمير شيء يجب المحافظة عليه، أن يأنبك ضميرك إذا فعلت حراماً، لأن العكس مصيبة، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ»، وذكر في آخر الحديث «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» [مسلم (49)].
فلا بد أن يستنكره، حتى العاصي نفسه يجب عليه أن يكره ما يعمله بيديه، يجب على العاصي أن يستقبح بقلبه ما يرتكبه، وهذا ضروري ليقود النفس إلى التوبة والتخلص من المعصية والندم لأن نزع فتيل الندم من النفس مصيبة، ولعظم الندم قال عليه الصلاة والسلام «الندم توبة» [صححه الألباني]. فذكر ركنها الأساس كما قال: «الحج عرفة» [صححه الألباني]، «الندم توبة» [صححه الألباني].
ومن شرائط قبول التوبة ترك الذنب لقبحه، ترك الذنب ندماً على فعله، ترك الذنب حزناً وأسفاً للوقوع فيه، وهذا الذي يولد العزم على عدم العودة، وإلا فلو لم يكن للذنب قبح في النفس مستمر ولوم لها على ما فعلت فما الذي يؤدي بها إلى العزم على عدم العود .
ولذلك من المصائب العظام أن يرى الإنسان الحسنة سيئة، والسيئة حسنة، ومن المصائب العظام، ومن مكر الله بالعبد، أن يزين الشيطان له سوء عمله فيراه حسناً، كما قال عز وجل في كتابه العزيز: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} [فاطر: من الآية 8].
طبعاً هذا لا يمكن أن يتوب، وهذه مشكلة المبتدع صاحب البدعة لا يرى أصلاً أن عمله خطأ، لا يرى أصلاً أن عمله انحراف، بل يرى انه قربة وطاعة ودين ويزداد منه ويدافع عنه، ولذلك لا يكاد المبتدع يتوب، لأنه لا يرى أصلاً أن فيما يعمله خطاً أو انحرافاً، {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [فاطر:8].
إذاً الناس مراتب، شخص يعمل المعصية وهو نادم، ويعمل المعصية وهو يرى قبحها، ويعمل المعصية وهو في نفسه كراهة واستنكار إذا عملها، فلا زال في نفسه بقية من خير أنه يستقبح ما فعل، ومن الناس من نزع استقباح المعصية من نفسه فهو يعملها كشرب الماء ولا يرى نفسه أنه عمل خطأً، ومن الناس من يرى المعصية التي يعملها حسنة، ويراها زينةً {زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} [فاطر: 8]، وهذا أسوء المراتب.
التعايش بين الطاعة والمعصية:
قضية الازدواجية، أن بعض الناس يعملون الحسنات ويعملون السيئات، يعملون الواجبات ويعملون المحرمات، يعملون ما أمر الله به ويرتكبون ما نهى الله عنه، هل هذا مقبول في الدين عند الله؟، هل هذا الخلط صحيح؟، هل الإسلام يقبل أن يسير أتباعه على هذه السياسة في التعايش بين الحلال والحرام وفي تقبل النفوس للأمرين جميعاً؟، الجواب: كلا، والدليل قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ}، والصلاة عبادة {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: من الآية 45].
فإذاً ما يمكن أن يوجد قبول في الإسلام لازدواجية التعايش بين الطاعة والمعصية، وأن الوضع يكون طبيعياً إذا كان الإنسان يعصي بالليل ويطيع بالنهار، يصوم بالنهار ويجرم بالليل، يصلي في المسجد ويخرج ليرتكب منكراً، لأن الآية تقول: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} فلا مجال إذاً للتعايش في النفس المؤمنة بين الطاعة والمعصية، والحسنة والسيئة، وفرق بين أن يوجد الشيء وبين أن يكون مقبول شرعاً، أن يوجد وموجود، لكن هل هو مقبول شرعاً ؟ هل يصح عند الله ؟ بحسب قيام العبد بالأمر الإلهي، تدفع عنه جيوش الشهوة، وأنبياء الله كانوا يرفضون الازدواجية المقيتة هذه، ووضحوها لقومهم جيداً حتى قال قومهم بعد التفهيم : {يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} [هود: من الآية 87]. صلاتك تأمرك بترك الشرك؟، صلاتك تأمرك بترك أكل المال الحرام؟… {أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} الربا الرشوة السرقة. وبعض الناس يا عباد الله يا أيها الأحبة يجعل من النتائج التي بعد المعصية دليلاً على صحة ما فعل أو عدمه، وإذا رأى أن الأمور ماشية استمر، قال ابن القيم رحمه الله: “وها هنا نكتة دقيقة، يغلط فيها الناس في أمر الذنب، وهي إنهم لا يرون تأثيره في الحال -وقع في فاحشة وخاف أن يقع هذا في شيءٍ من أهل بيته لكن لم يقع، ارتكب محرماً وخشى من حرمان الرزق لكن الرزق استمر داراً وفيراً فهو يستمر في المعصية لأنه ما حصل شيء سلبي- وقد يتأخر تأثيره فيُنسى، ويظن العبد إنه لا يتغير عليه شيء بعد ذلك، وسبحان الله، ماذا أهلكت هذه النكتة من الخلق؟!، وكم أزالت من نعمة؟، وكم جلبت من نقمة؟!، وما أكثر المغترين بها من الفضلاء، فضلاً عن الجهال، ولم يعلم المغتر أن الذنب ينقض ولو بعد حين، كما ينقض السهم، وكما ينفض الجرح المندمل على الغش والدغل.
إذا ما الجرح رم على فسادٍ *** تبين فيه إهمال الطبيب
سينفجر ولو بعد حين ويتقيح وترجع الأمور أسوء مما كانت، ربما يظهر أو يرى في الظاهر أن الجرح اندمل، وبدأ يتعافى لكن إهمال الممرض أو الطبيب في تعقيمه وتنظيفه لم يمحى، فهو يعمل من تحت وفي الظاهر ربما يرى الاندمال، يُرى أن الأمور تتحسن حتى تأتي الفاجعة بانفضاض الجرح وانفجاره إلى أسوء مما كان .
قال أبو الدرداء: “البر لا يبلى، والإثم لا ينسى، والرجل يصيب الذنب في السر، فيصبح وعليه مذلته” (الجواب الكافي، 1/34).
إذاً لا للاغترار بقضية أنه لم يقع شيء بعد الذنب من السلبيات: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثـية: 21].
أحسب المسيئون المكثرون من الذنوب المقصرون في حقوق الله أن نجعلهم كالذين قاموا بحقوق ربهم واجتنبوا مساخطه وجاهدوا أنفسهم وتعبوا في هذه الملاحظة لمرضاة الرب والحرص عليها، ساء ما ظنوا وما حسبوا وساء ما حكموا بها ونظروا فالله أحكم الحاكمين وخير العادلين سبحانه وتعالى.
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: من الآية 69].
الإسلام الجديد ومخاطره:
عباد الله، ظهر في الإسلام الجديد الذي ينادون به الآن أمور، تجزئة الإسلام وتبعيض الإسلام وهذا قد تقدم الحديث عنه، ظهرت قضية التهوين من المعاصي، وهذا واضح من الطرح الإعلامي التهوين من المعاصي، وظهرت قضية إنكار أنها معصية أصلاً وحشد أدلة مزيفة وموهومة عن الإباحة، هذا موجود في طرح المقالات الصحفية وبعض الطرح الإعلامي لنزع الندم من الناس، ونزع تأنيب الضمير، فتطرح قضية أن هذه ليست معصية أصلاً، وتطرح قضية أنها صغيرة وليست كبيرة، ثم في الإسلام الجديد الذي يريدونه تطرح قضية التعايش السلمي بين الطاعة والمعصية، وأنه شيء عادي؟… يقول أحدهم في مقالة له: دخلت مسجداً، وقبل موعد الصلاة كنت أجلس في مقهى شعبي قريب من المسجد, وكانت الشاشات تملأ المقهى, أينما تيمم وجهك تشاهد فتاة تتراقص، يجلس الناس في المقهى مع بعضهم البعض: شلة من الجنسين.دخل أذان المغرب وسمعنا صوت المؤذن هادئاً رخيماً – أنا لا أدري كيف سيسمع صوت المؤذن هادئاً رخيماً وإذا كانت الفتيات يتراقصن على الشاشات تحت الأنغام والطرب والأصوات المرتفعة في العادة كما هو ديدن الغناء المعاصر – ، فشعرت في تلك اللحظة بمعنى أن تكون مسلماً, أن تعيش حياتك الطبيعية, تتفرج على البنات الجميلات، وتشرب شيشة، وتصخب على الشاشات، ولكنك لست مقطوعاً من طابعك الأخلاقي الأصيل!!
فإذا جاء صوت الإسلام ذكرك بمن أنت وإلى من تنتمي ثم تقوم إلى المسجد.
أيها الأخوة هذا الإسلام الجديد، الذي يريدون طرحه اليوم وترويجه وتسويقه في الساحة، عيش حياتك، وقت الصلاة في المسجد، ووقت الترفيه مع البنات مع الشيشات والشاشات، هذا مقبول في الدين ؟ الله يرضى هذا ؟ لو عرضنا هذا على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، هل هذا الكلام مقبول عند رب العالمين ؟ ومسألة إيجاد الوعي عند المسلم بهذه المؤامرة التي تحاك حول الدين لتسويق إسلام آخر غير الإسلام الذي جاء به الله ورسوله، هو ما يجب التنبيه عليه والتحذير منه وكشف عواره وبيان زيفه وضلاله، وأن يرجع المسلم إلى الله، {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذريات: من الآية50]. إلى دينه الحق وإلى أحكامه وإلى شرعه وإلى كتابه، وإلى البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا، له الحكم وإليه ترجعون، خلق السماوات والأرض بالحق، وصوركم فأحسن صوركم، ليبلولكم أيكم أحسن عملا، وأصلي وأسلم على البشير النذير، والهادي والسراج المنير، محمد بن عبد الله أشهد أنه رسول الله حقا، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، اللهم صل وسلم وبارك على إمام المتقين وقائد الغر المحجلين، سيد الحنفاء وإمام الأتقياء، وعلى آله وذريته وأزواجه وخلفاءه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .
عباد الله بعض المدارس البدعية المنحرفة المنتسبة للإسلام من الطرق وغيرها تتبنى هذا التوجه، قضية مولد تتطمئن فيه النفوس أنها تعمل طاعة، وبعض المناسبات التي فيها شيء من الذكر لمجرد تسكين النفس وأنها بخير، ثم بعد ذلك الرضى بما يحصل من الآفات والمعاصي والسيئات وهكذا، وقضية رمضان في مكة ثم الفسق والفجور بعدها بأيام هذا صار مع الأسف الشديد حالاً ملاحظاً من المسلمين، قضية أن تصلي ثم تدخل في عالم التمثيل والفن مشاهد الرقص والعري والإيحاءات الجنسية متعايش أمر مشاهد، بل وصلت القضية وهذا من مفردات الإسلام الجديد الذي يروجونه إلى جعل بعض المعاصي طاعات، ولذلك يطرح بعضهم قضية الرقص الشرقي واليوغا وسماع الغناء الإلهي والعشق الإلهي أو الغناء الديني أو الموسيقى المشاعرية أن هذا طيب ومفيد وجيد ومن الدين، وهذا ما تطرحه بعض القنوات الشبابية، للشباب وأنها فور شباب فقط لهم، وهذا من أسوء السيئات ومن أعظم الانحرافات تلبيس المعصية بثوب طاعة، وتقديم إسلام جديد للناس، هذا الذي يسمونه إسلام New look، النظرة الجديدة، دين بنظرة جديدة، هذه يا أيها الأخوة من الكوراث العظيمة، لأن بعض الشباب مساكين الخلفية الشرعية عندهم ضعيفة، المعلومات الدينية ضحلة سيتقبلون ذلك ويعتبرونه ديناً يسيرون عليه، وهذا قريب مما يحصل حتى في بعض الأديان الاخرى، تقول الأخبار : أن حاخامات اليهود ينصحون النساء اللواتي يواجهن مشاكل زوجية بتعلم الرقص الشرقي لأنه يحرر الجسد والروح. هذا مبدأ، يعني التعبد أو التدين أو السعي إلى حل المشكلات بدلاً من أن يقول: كتاب الله، تلاوة القرآن، الفزع إلى العبادة، كان إذا حزبه أمر صلى، دعوات المكروب: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، هذا دعاء الهم والحزن، الشريعة تقدم حلولاً، تقدم حلولاً للمشكلات النفسية، والأزمات، تقدم حلولاً وأذكاراً وكلاماً وعملاً، أقوالاً وأفعالاً وأشياء قلبية ولسانية وعلى الجوارح، لكن سحب البساط من هذه والدفع إلى الواجهة بأشياء آخرى للمعالجات.
ثم المشكلة أيضاً دخول قضية أنا أحسن من غيري على الخط، وهذا واضح، قال عليه الصلاة والسلام: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم» [صححه الألباني]. هذ في الدنيا، وفي الدين: أنظر إلى من هو فوقك حتى تعرف مدى تقصيرك، ثم هناك طاعات سهلة ومعاصي جذابة، وهناك طاعات صعبة ومعاصي ليست مرغوبة للنفس كثيرة، كثير من الناس قد لا يرغب في فاحشة اللواط مثلاً، وربما يقرف منها وتشمئز نفسه، لكنه قد يهوى معاصٍ من نوعٍ آخر، وهذه قضية طاعة سهلة وطاعة صعبه ومعصية جذابة ومعصية أقل جاذبية، هذا الباب ممكن أن يدخل منه الشيطان دخولاً كبيراً، قال ابن القيم رحمه الله: “وقد تجد الرجل يقوم الليل ويصوم النهار ويتورع من استناده إلى وسادة حريرٍ، لحظةً واحدةً ويطلق لسانه في الغيبه والنميمة والتفكه في أعراض الخلق، ومما يستزل به الشيطان الألسن بعض من عنده دين قضية الكلام والقول على الله فيما لا يعلم الإفتاء بغير علم، فتجد عند بعض الناس ورعاً من بعض الدقائق كقطرة خمر لا يمكن أن أذوقها، لكن محرمات أخرى وفواحش يقع فيها بالطول والعرض، يتحاشى رأس الأبرة من النجاسة”، قال ابن القيم: “ولا يبالي بارتكاب الفرج الحرام”.
يقول بعدة الصابرين قصة مضحكة، كما يحكى أن رجل خلى بامرأة أجنبية فلما أراد مواقعتها قال: “يا هذه غطي وجهك فإن النظر إلى وجه الأجنبية حرام”.
وقد سأل رجل عبد الله بن عمر عن دم البعوض فقال: “انظروا إلى هؤلاء يسألوني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
عباد لله لا يمكن القبول بالأزدواجية بين الحرام والحلال ولا بد أن يطرد المسلم الحرام من نفسه، نعم هو يضعف ويعصي ولكن لا بد أن يتوب، نعم هو يستزله الشيطان ويقع في سيئة، يرتكب سيئةً، لكن لا بد أن يراها قبيحة، ولا بد أن يراها ضخمة جداً، «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ» [صححه الألباني].
ولا بد أن يتوب منها ويعزم على عدم العودة إليها ويندم على فعله، لا بد أن تبقى قضية تأنيب الضمير واعظ الله في قلب المسلم أن يبقى حياً وأن ننظر إلى هذه الأشياء التي يبغضها رب العالمين على أنها حرام وأن تقوم عندنا الأدلة الشرعية بتحريمها، وأن نتعلم الأحكام وأن نتلافى خطوات الشيطان ولا نتبع خطوات الشيطان وكذلك فإن التعايش مع الحرام سيولد مصائب كبيرة في المستقبل، وظلمة القلب وضعف الدين والوقوع في الفتنة واسوداد القلب وذهاب نور القلب، وهكذا الحسنات تزيد نوره والسيئات تطفئ نوره، هناك قلوب مزهرة نسأل الله أن يجعلنا من أهلها، وقلوب مظلمة نسأل الله أن لا يجعلها فينا .
والعنوان بالخط العريض: «إذا سرتك حسنتك، وساءتك سيئتك فأنت مؤمن» [صححه الألباني]، قاله نبينا صلى الله عليه وسلم .
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اقض ديوننا واستر عيوبنا، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، اللهم إنا نسألك الأمن في الأوطان والدور، والصلاح للأئمة وولاة الأمور، وأن تغفر لنا يا عزيز يا غفور، اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، اجعل جنة الفردوس مأوانا،
وقنا عذب النار يا أرحم الراحمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
منقول