هل تنام جيداً؟ كثيراً أم قليلاً؟ هل النوم فعل شخصي بسيط؟ أم هو موضوع اجتماعي ثقافي له تاريخ ويرتبط بالجغرافيا؟ ماذا تفعل لتحظى بنوم صحي؟.
تصور الأساطير الإغريقية النوم اللطيف (Hypnos) والموت الذي لا يعرف الشفقة (Thamatos) على أنهما أبناء آلهة واحدة هي آلهة الليل (Nyx).. وكان الشاعر الروماني "أوفيد" يسمي النوم "الموت المزيف" الذي يعيش في كهف على شواطئ نهر (ليثي Lethe)؛ حيث لا تنفذ إليه الشمس أبدًا.. كذلك كان النوم والموت شقيقين عند القبائل الجرمانية الأولى، وكان كل منهما يُسمَّى (رجل الرمل Sand man).. والمقصود أن فكرة "النوم يشبه الموت" هي أمر شائع في الثقافات المختلفة، وهو ما يبدو في الأشعار والأساطير والقصص الخرافية..
فلسفة النوم
وإذا كانت بعض الفلسفات مثل الفلسفة الهندية القديمة المعروفة بـ "الأوبانيشاوز" تعتبر النوم العميق الهادئ حالة تعبر عما يمكن أن نسميه السلام الكامل مع النفس والعالم.. فإن فكرة النوم استخدمت أيضًا كرمز على الغفلة وفتور الهمة والجهل.
والنوم عملية مركبة شديدة التعقيد رغم أنها لا تبدو هكذا في ظاهرها.. فأسلوب النوم في أغلب الأحوال يعتبر نتاجًا للتقاليد والأعراف الاجتماعية.. ففي شمال أوروبا ووسطها وشمال أمريكا على سبيل المثال يندر أن تجد الراشدين من العاملين يأوون إلى القيلولة، بينما تجد هذا أمرًا شائعًا في بلاد البحر المتوسط وفي أجزاء كثيرة من أمريكا الوسطى والجنوبية.. ومن شأن عادة القيلولة أنها تتيح للناس في البلاد الجنوبية تجنب أشد الأوقات حرارة من اليوم ليقضوه في النوم، ثم ليعودوا من بعد ذلك إلى العمل والاستمتاع، وقد استجموا وانتعشوا ليستمتعوا بأبرد ساعات المساء والليل.. فالأحوال المناخية ذات تأثير أساسي في العادات المرتبطة بالنوم.. ولعله من الطريف أن نذكر أن عادة القيلولة منتشرة بدرجة كبيرة في الصين؛ حيث تجد الموظفين في المكاتب والمصانع يأوون إلى النعاس بصفة منتظمة بعد فترة الغداء.. بل إن المادة التاسعة والأربعين من الدستور الصيني تنص على أنه: "للطبقات العاملة الحق في الراحة".
أشهر القصص والعادات
وقد اشتهرت بعض الأسماء التاريخية الكبيرة بعادات معينة في النوم.. فنابليون كان لا يحتاج إلا إلى فترات قصيرة حيث كان يأوي إلى فراشه فيما بين العاشرة ومنتصف الليل.. ويستيقظ في الثانية صباحًا.. ويظل يعمل في مكتبه حتى الساعة الخامسة.. ثم يأوي إلى فراشه حتى الساعة السابعة صباحًا.. وكان المخترع الشهير "توماس إديسون" ينام فترة تتراوح بين 4 إلى 6 ساعات يوميًا.. وكذلك ونستون تشرشل- رئيس وزراء بريطانيا في الأربعينيات - الذي كان ينام في الثالثة أو الرابعة صباحًا ويستيقظ في الثامنة، ولكنه كان ينام ساعتين بعد الظهر..
لكن هناك أسماء أخرى كانت تفضل النوم الطويل.. ومن أشهرهم "ألبرت أينشتاين" الذي كان ينام عشر ساعات كاملة؛ حيث يقال بأنه توصل إلى نقاط جوهرية من نظريته عن النسبية وهو نائم!!.
أما أطرف قيلولة فهي التي كان يقوم بها الفنان التشكيلى الأسباني "سلفادور دالي".. فقد كان يجلس في الكرسي ذي المسندين وقد جعل لوحة مزج الألوان على الأرض إلى جواره.. وهو يمسك بملعقة فيما بين إبهامه وسبابته.. ثم يرجع ظهره إلى الخلف ويسترخي.. ولكنه بمجرد أن يغفو تسقط الملعقة على اللوحة فتوقظه.. ويقال إن النوم الذي كان يصيبه في هذه اللحظة فيما بين الاستسلام للغفوة والاستيقاظ كان ينعشه إلى حد أنه يستطيع بعدئذٍ استئناف عمله وهو يشعر بالاستجمام والنشاط الكامل!!.
ورغم شهرة رباعية الخيام التى يقول فيها:
فما أطال النوم عمرًا وما قصَّر في الأعمار طول السهر
إلا أن أبحاثًا كثيرة أكدت أن الإكثار من النوم إلى حد كبير، والإقلال منه إلى حد كبير كلاهما ضار بالإنسان.. وأن النوم من 6 إلى 8 ساعات يوميًا هي المدة شبه المثالية التى يمكن أن ينامها الفرد.
النوم يساعد على التكيّف
ويرى ألكسندر بوريلي في كتابه "أسرار النوم" أن عملية النوم تعد نوعًا من التكيف للظروف الخارجية والداخلية.. ذلك أن النوم نوع من فترة الراحة المفروضة، وهو بذلك يعين الكائن الحي على تجنب الأخطار في البيئة.. الأخطار غير الحية من برد وظلمة.. والأخطار الحية كالحيوانات المفترسة.. والنوم يمكن أن يكون عملية تكيف للظروف القائمة داخل الكائن الحي أيضًا.. ذلك أن الكائن الحي يستهلك قدراً أقل من الطاقة عندما تنخفض معدلات التمثيل الغذائي عنده، وكذلك معدلات تبدد الحرارة وضياعها من الجسم.. وهكذا يمكن أن تنظر إلى خمول وسكون المخلوقات النائمة على أنه نوع من الاقتصاد في موارد الطاقة المحدودة التى يكون مآلها إلى النفاد لو استمر النشاط بصفة مستمرة وبدون انقطاع.