ابن رشد أحد أهم
الفلاسفة، ويشاع أن الفلسفة الإسلامية انتهت بوفاته، اسمه باللاتينية "أفيروس" "Averroes"، ولد في عاصمة الفكر الإسلامي
قرطبة في
الأندلس وكان أبوه
قاضي وجده قاضي فدرس
القانون، وأتاح له ذلك أن يكون قاضي
لأشبيلية. درس
الطب وعلم الكلام والفلسفة والفقه، لقب بالشارح الأكبر لأنه أفضل من شرح ما جاء به
أرسطو.
لم يجلس ابن رشد على عرش العقل العربي بسهولة، حيث انه أمضى عمره في البحث والتأليف، حتى شهد له معاصروه بأنه لم يترك القراءة والتأليف إلا ليلتين اثنتين: ليلة وفاة أبيه وليلة زواجه.
أخذ الطب عن كبار علماء عصره أبي جعفر هارون وأبي مروان بن جبيرول الأندلسي.وبالرغم من بروز ه في حقول الطب، فإن شهرته كانت من خلال نتاجه الفلسفي الخصب.عكف فيلسوفنا على نصوص المعلم الأول
أرسطو حتى اقتنع بأنها الفلسفة الحق.
تولّى ابن رشد منصب القضاء في اشبيلية، وأقبل على تفسير آثار أرسطو، تلبية لرغبة الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف، ثم عاد إلى قرطبة حيث تولى منصب قاضي القضاة، وبعد ذلك بنحو عشر سنوات التحق بالبلاط المراكشي كطبيب الخليفة الخاص.
كانت هناك ضغوط لقطع حبل الصلة بين
الخليفة وابن رشد لكن الحكمة والسياسة جعلت المنصور يبعده، ويتهمه مع بعض من مبغضيه بالكفر ثم يبعده إلى"أليسانه "بلدة صغيرة بجانب قرطبة أغلبها من اليهود، وأحرق جميع مؤلفاته الفلسفية، وحظر الاشتغال بالفلسفة والعلوم جملة، ما عدا الطب، والفلك، والحساب حبس ابن رشد لكن لم يطل حبسه وانتقل إلى
مراكش ومات هناك. أثّر ابن رشد في العالم الإسلامي والمسيحي
وأوروبا وقد بحث عن أسباب انتهاء
حضارة المسلمين في الأندلس فرأى أنها بسبب تراجع دور المرأة آنذاك. دارت حول شروحه نقاشات عديدة في
جامعة السربون وترجمت كل شروح ابن رشد
للعبرية على يد
موسى بن ميمون. ولقد أكد ابن رشد على كروية الأرض. من مؤلفاته: شروح أعمال أرسطو، تهافت التهافت.
هناك 3 مسائل مهمة في ابن رشد وهي:
- أنه يمثل ردة الفعل الفلسفية على الهجمة القوية على الفلسفة التي أقدم عليها الغزالي. فابن رشد يمثل محاولة رد اعتبار الفلسفة بعد أن أصابها الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة ووضع هذا الجهد في كتابه تهافت التهافت.
- ابن رشد يجسد خير من شرح مؤلفات أرسطو، وشروح ابن رشد على أرسطو هي أفضل شروح نعرفها في تاريخ الفلسفة وهو شارح لأرسطو أكثر من كونه فيلسوفا مبدعا ذا فلسفة خاصة، بل إن البعض اعتبروه تلميذًا لأرسطو- رغم وجود 16 قرن بينهم- مع تبنيه معظم آرائه في الطبيعة وما وراء الطبيعة.
- قدّم نظرية أو موقف متميز وخاص ومهم في مسألة العلاقة بين الشريعة والحكمة أي بين الدين والفلسفة وذلك في كتاب "فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال"، المسألة التي شغلت جميع الفلاسفة من الكندي، الفارابي، الغزالي، ابن سينا، وابن رشد. والغزالي وحده اعتقد أن الفلاسفة يخرجون عن الدين عندما كفّرهم في قضايا ثلاث وبدّعهم في سبع عشرة أخرى. إذ يستأنف ابن رشد موقف الكندي مع شيء من التعديل ويقول أن لا تعارض بين الدين والفلسفة، أي لا اختلاف بين الأمرين (الشريعة والحكمة)، وإذا كان هناك من تعارض فالتعارض ظاهري بين ظاهر نص ديني وقضية عقليه، ويرى بأن حله متاح بالتأويل وفقا لقواعد وأساليب اللغة العربية.
عندما ننظر إلى كتاب فصل المقال لابن رشد نجد أن ابن رشد قد آخى بين الفلسفة
والمنطق فجعلهما مرتبطتين.
تعريف ابن رشد للفلسفة: تعني المصنوعات التي يصنعها الصانع تدل عليه، وكلما عرفنا الموجودات معرفة أتم تكون معرفتنا بصانعها أتم. والشرع ندب (المندوب أي المستحب) إلى اعتبار الموجودات والنظر بها وبيان دلالتها. حيث دعا الشرع إلى اعتبار الموجودات لأن النظر في الموجودات نظر عقلي، وهناك أكثر من آية تشير إلى اعتبار الموجودات بالعقل
- "فاعتبروا يا أولي الأبصار"
- "أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض"
- "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت"
- "ويتفكرون في خلق السموات والأرض"
وهذا النصوص- وفقًا لابن رشد- تشير إلى وجوب استعمال القياس العقلي.وبهذا يتضح تشديده على كلمات النظر، والاعتبار، والتفكر، والرؤية، ويعتبرها أدلة دينية على وجوب النظر العقلي في الموجودات. يفسر ابن رشد كلمة الاعتبار فيقول أننا من مقدمات معلومة نستنتج نتيجة مجهولة، أي من مقدمة كبرى فمقدمة صغرى نستنتج نتيجة، إذا سلمنا بالمقدمات الكبرى والصغرى ينتج عنها بالضرورة نتيجة، وبهذا الشكل سوّغ ابن رشد دراسة المنطق.
يميّز ابن رشد بين أنواع الأقيسة:
القياس البرهاني: القياس الذي كلتا مقدمتاه صادقة. (وهو القياس السليم عنده) مثل: كل إنسان فانٍ..سقراط إنسان.. إذن سقراط فانٍ.
القياس الجدلي: القياس الذي إحدى مقدمتيه احتمالية أو كلتا مقدمتيه احتماليتان.
القياس المغالطي: هو القياس الذي فيه إحدى المغالطات.
أقر ابن رشد بشرعية المنطق، وأكد القياس بآية "واعتبروا يا أولي الأبصار". ويقول ابن رشد مثل قول الكندي في أننا يجب أن نأخذ الحقائق حتى لو كان قائلها من ملة غير ملتنا، وأن النظر في كتب القدماء واجب بالشرع وأن الفرد لا يستطيع أن يحصل العلم وحده ويجب أن نستفيد من بعضنا البعض ومن السابقين. شرعيا، أوجب ابن رشد النظر العقلي في القضايا التي توصل إلى الله وينبغي أن يتوفر في من ينظر بهذه العلوم أمران:
- ذكاء الفطرة.
- العدالة الشرعية والفضيلة الخلقية.
ويقول ابن رشد إذا غوى (أي ضل وانحرف) غاوٍ بسبب النظر في الوجود لا يمكن أن ننكر الصنعة نفسها عن الأكفاء بالنظر فيها ودراستها لأن بعض غير الأكفاء للنظر قد أخطأ.
قال ابن رشد أيضا أن الناس مختلفون في جبلتهم فهناك أناس يجري عليهم القياس البرهاني وأناس القياس الجدلي. نظر ابن رشد إلى العلاقة بين الدين والفلسفة وخلاصة موقفه في المسألة:
إذا قررنا قضية مثل قضية العالم مخلوق، فلا يخلو هذا الوضع (أي خلق الوجود) أن يكون الشرع قد سكت عنه أو قال قولا ما. اليقين الفلسفي البرهاني حق ولا يمكن أن يتعارض مع حقيقة ذكَرَها الشرع:
- قول سكت عنه الشرع: يجوز الكلام فيه.
- قول قرر بشأنه الشرع قولا ما: إما قرر بشأنه قولا موافقا لما قدره العقل: فلا نتكلم فيه، أو إما قرر بشأنه قولا مخالفا لما قدره العقل: فنلجأ للتأويل.
تتلخص أطروحة ابن رشد في هذه المسألة في:
- أن الشرع أوجب النظر بالعقل في الوجود وأوجب دراسة المنطق من ناحية مفسرا آية "واعتبروا يا أولي الأبصار". معنى الأبصار القياس، وأوجب النظر في الوجود من علل الموجودات.
- الوجه الثاني أن هذا النظر ليس بدعة وينبغي أن نأخذ به ولا يمكن أن يتحقق لفرد واحد فهو إسهام لأفراد كثيرين فيجب أن نلجأ للأمم الأخرى.
- العلاقة بين ما يقرره العقل البرهاني وما تتفق به الشريعة، كل منهما يعبر عن الحق، والقضايا البرهانية العقلية هي حق، وما نطق به الشرع حق، والحق لا يضاد الحق بل يؤكده ويشهد له، أي ليس هناك تناقض بين الحكمة (الفلسفة) والشريعة.
فيكون مرجع ابن رشد النهائي هو العقل حيث تنبي ابن رشد تصورا علمانيا أعاد بناء الترابية بين الإنسان والله من جهة والإنسان والعالم من جهة أخرى ليعطي دورا رئيسيا للإنسان باعتباره مركز الكون ومقياسا لما يحيط به